الرئيسية / مقالات / نظرية الفراشة

نظرية الفراشة

كثيرًا ما نسمع الكلمة الغريبة “أثر الفراشة” لكن ماذا نقصد بها؟ وما علاقتها بنظرية الشواش أو الفوضى؟. إن أي ظاهرة معقدة أو نظام معقد كفاية، بيولوجي كجسم الإنسان ككل أو كجزء كالعقل أو المناعة .. إلخ، أو فيزيائي كحالة الطقس (الرطوبة والرياح ودرجة الحرارة والأمطار والعواصف… إلخ)، أو نظام إلكتروني مثل شبكة الإنترنت أو شبكة الكهرباء، أو جهاز إلكتروني مثل الكمبيوتر، أو حتى برمجي مثل برامج الكمبيوتر وغيره يعتمد في عمله على عدد كبير جدًا ومختلف من المتغيرات. فمثلًا لو استخدمنا برنامج حاسوبي يقوم بعملية الجمع، فهو مجرد نظام يقوم بعمل وظيفة محددة. حيث نقوم بإدخال بعض البيانات التي يصعب علينا الاستفادة منها مباشرة للبرنامج، مثل (حاصل جمع 12434+13344+23344)، فيقوم الحاسوب بمعالجتها رياضيًا، أو منطقيًا. وأخيرًا يقوم البرنامج بعرض نفس البيانات لكن في شكل معلومة واحدة كنتيجة نهائية، يمكننا الاستفادة منها، وهي حاصل جمع الثلاثة أعداد في شكل عدد واحد فقط وهو 49122

وهذا البرنامج البسيط سنسميه نظام خطي؛ لأن مخرجات البرنامج تعتمد على المدخلات بطريقة مباشرة و مستقلة عن أي متغيرات أخرى. أي انه كلما تغيرت قيم البيانات التي تدخل النظام، ستتغير المخرجات أو النتيجة، وبنفس نسبة التغيّر في المدخلات و بطريقة مستقلة عن التغيّر في قيم أي متغيرات أخرى، ولو تغيرت قيم متغيرات البيانات الأولية تغييرًا بسيطًا جدًا، لن تتغير المعلومات الخارجة من البرنامج، أو ستتغير لكن بنفس النسبة البسيطة جدًا. ولذا يمكن تجاهل ذلك التغيير فمثلًا المعادلة: (12434+13344+23344= 49122)، إذا قمنا بتغيير قيمة العدد الأول في المعادلة وهو ( 12434 إلى 12434.1)، بمعنى أن نضيف عليه العدد 0.1 فقط ستتغير النتيجة النهائية للمعادلة إلى 49122.1 ، وهي تساوي تقريبًا نتيجة المعادلة الأولى وهي 49122، فالتغير في النتيجة الثانية إعتمد على نفس نسبة التغير في قيمة العدد الأول، وبما أن التغير في العدد الأول صغير جدًا، يمكننا تجاهل ذلك التغيير واعتماد النتيجة الأولى، لكن ماذا لو قمنا بتصميم برنامج يقوم بحساب حالة الطقس، وقمنا بهذا التغيير البسيط جدًا في المدخلات الأولية؟.

صممنا برنامجا يقوم بحساب حالة الطقس، لمكان ووقت معين، من خلال إدخال بيانات الحالة السابقة للطقس حول نفس المكان في وقت سابق، تم إدخال البيانات الأولية مثل درجات الحرارة، ونسب الرطوبة، واتجاه وسرعات الرياح، وتم تسجيل النتيجة التي أخرجها البرنامج. وقمنا بإدخال نفس البيانات لاحقًا مع توقع أن النتيجة ستظل كما هي ثابتة لن تتغير، وتفاجئنا أن النتيجة مختلفة تمامًا ومتغيرة جذريًا عن النتيجة السابقة !!. وبعد التدقيق الشديد في البرنامج ومراجعته والتأكد من سلامته، ومراجعة البيانات الأولية، تم ملاحظة أن هناك قيمة من المدخلات تم تقريبها، وكان الفارق بين القيمة قبل وبعد التقريب صغير جداً جداً. حتى أننا توقعنا أنه يستحيل أن تكون تلك القيمة البسيطة جدًا هي السبب في قلب النتيجة النهائية للبرنامج رأسًا على عقب، وبعد التكرار والتدقيق تم التأكد بأن تلك القيمة البسيطة كانت هي السبب في قلب النتيجة. إن القيمة التي تم تقريبها قد تعبر عن سرعة الرياح أو إتجاه حركتها في زمن معين ، معنى ذلك أن أقل زيادة أو نقصان في تلك القيمة قد يقلب الطقس من حال لحال آخر مختلف تماماً. و من هنا أتت التسمية، حيث أن كمية حركة الهواء البسيطة الناتجة من رفرفة جناح فراشة في الصين مثلًا، لن يكون تأثيرها بسيط كما هو متوقع، قد تظل هذه الكمية البسيطة تزحف ببطء وينضم لها كميات أخرى من الهواء بسبب طبيعة نظام الطقس، حتى تسبب إعصار في الجزائر، وهذا هو أثر الفراشة. إن طبيعة نظام الطقس هي التي سببت تضخم حركة هواء جناح الفراشة البسيط في الصين شيئًا فشيئًا مع الوقت، من خلال عوامل أخرى كنسبة الرطوبة، ودرجة الحرارة، واتجاه وسرعة الرياح التي إنضمت لحركة هواء جناح الفراشة، متجهة نحو الجزائر، حتى تحولت لإعصار مدمر ، وذلك بسبب الطبيعة اللاخطية لنظام الطقس. أي أن التغير البسيط في قيم متغيرات النظام الأولية، تُحدث تأثيرًا أكبر بكثير جدًا من ذلك التغير الأوّلي في النتيجة النهائية، نتيجة عوامل ومتغيرات أخرى في النظام، هذه الأنظمة تكون حساسة جدًا لأي تغير في القيم أو المتغيرات الأولية مهما كانت قيم التغير صغيرة، وإذا كان النظام الحساس جداً معقداً كفاية وبه متغيرات كثيرة ومختلفة، ويصعب حصرها جميعاً نطلق على هذه الأنظمة الأنظمة الشواشية أو الفوضوية ، لأنه من الصعب تحديد بدقة كل العوامل الأولية، وبشكل دقيق، فيتصرف النظام بالنسبة لنا بعشوائية تامة، وكما لو أن ليس له قانون محدد ويصعب التنبؤ بسلوكه أو محاكاته. ولذلك من الصعب جدًا التنبؤ بحالة الطقس مثلًا على مستوى زمني بعيد.

التدقيق اللغوي العربي:MOHAMMED DIAB
قراءة: Randa Adjroud

 

شاهد أيضاً

ليس حرا من يُهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة

هذه المقولة للزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، وتعني أن الحرية لا تقتصر على الحرية الشخصية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *